أولا أنكر بعض الباحثين عذاب القبر بحجة أن القرآن لم يتحدث عنه! والحقيقة لا يمكن لأي إنسان مهما بلغ من العلم أن يعلم بالضبط كل ما أشار إليه القرآن، لأن حدود معرفتنا البشرية ضئيلة جداً بمقدار المعلومات الموجودة في القرآن الكريم الذي هو كتاب الله تعالى والذي تعهد الله في آية من آياته أن معجزات هذا الكتاب ستكون مستمرة إلى يوم القيامة.
دعونا نتأمل كيف تحدث القرآن عن النفس بعد الموت:
طبعاً القرآن يخبرنا عن لحظة الموت ماذا سيحدث للكافر أو الملحد الذي يدعي أنه جاء بمثل القرآن وكذب على الله تعالى.. والذي ينكر وجود الله تعالى. قال عز وجل: (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَ مَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام: 93].
هذه الآية تخبرنا بأن الكافر يعذب لحظة الموت.. ولكن ماذا بعد الموت؟
يقول تعالى عن عذاب فرعون في مرحلة البرزخ: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46]. إذاً الكافر يُعرض على النار كل يوم صباحاً ومساءً، بانتظار يوم القيامة سيُدخلون إلى أشد العذاب. وهنا نلاحظ أن الله تعالى قال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا)، ولم يقل (يعذبون بها) ليدل على أن العذاب هو عذاب للنفس وليس للجسد.. فهذه النفس ترى النار وتتعذب بها.. مثل النائم الذي يرى في الحلم أنه يغرق مثلاً فهو يتألم تماماً مثل اليقظة.. ولكنه عندما يستيقظ ويدرك أنه كان في حلم فإنه يفرح ويعلم بأنه عاد إلى الدنيا دون أن يموت..
الذي يحدث مع الكافر أن نفسه تُعذب خلال فترة البرزخ.. ولكن عندما يُبعث يدرك أن كل العذاب الذي مرّ به كان عذاباً للنفس.. وأن العذاب الكامل للنفس والجسد سيبدأ منذ هذه اللحظة.. فيصرح ويحزن ويتمنى لو أنه بقي ميتاً... وهذا بالضبط ما أنبأ عنه القرآن: (وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس: 51-52].
إذاً الكافر سوف يسمي فترة عذاب القبر بالمرقد لأنه يدرك أن العذاب الذي مرّ به هو عذاب نفسي.. ولكن جسده سيُعذب الآن مع نفسه الخبيثة.. فيقول على الفور: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا).. حتى إنهم لا يدركون أنهم مكثوا في حياة البرزخ لكل هذه السنين.. بل يظنون أنهم مكثوا يوماً أو بعض يوم مثل النائم..
ماذا عن مصير نفس المؤمن
كل مؤمن منا بلا شك يحب أن يرى النعيم والنور في قبره.. يحب أن تكون أجمل لحظة هي لحظة الموت عندما يغادر الدنيا وهمومها إلى حياة ليس فيها هم ولا حزن ولا خوف... وكل واحد منا يتمنى أن يكون في حالة فرح وسرور وطمأنينة بعد الموت..
فإذا كانت نفس الكافر تعذب خلال ملحة البرزخ، فيجب أن تكون نفس المؤمن في حالة نعيم ونور وفرح وسعادة.. وهذا ما أشار إليه القرآن في حالة الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله.. قال تعالى: (وَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169-171]. والمقصود بالحياة هنا (بَلْ أَحْيَاءٌ) حياة النفس لأن النفس تذوق الموت ولكن لا تفنى ولا تبلى!
إذاً المؤمنون فرحون بعد الموت بالنعيم والرزق الكريم الذي يفرحون به وبرحمة الله.. كل هذا النعيم كيف يحدث بعد الموت؟ لابد أن النفس هي التي ترزق وتفرح.. أما الجسد فهو ميت لا حراك به.. وبعد ذلك ستعود هذه النفس الطيبة إلى خلقها.. قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَ ادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].
نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا.. ونعوذ به من علم لا ينفع.. والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق